رحلة الى قرى الناصرية.قبل أيام ذهب أحد فضلاء الحوزة العلمية في مدينة النجف الاشرف الى مدينة الناصرية ليتفقد عوائل الشهداء والجرحى ويقدم لهم يد العون والمساعدة ولما عاد من رحلته التقيت به وسرد لي تفاصيل رحلته وكان سردا رائعا فتخيلت أني مكانه في هذه السفرة، فأحببت أن أكتبها لكم بحلوها ومرها.
في أرجاء بلد انهكته الحروب تقبع مدينة تحمل ارثا يبدأ من سومر وتتحمل جرحا كبيرا يهرول القهقرا وصولا الى سومر!
هناك حيث الهواء لا تشوبه عفونة الأنا ولا تجرحه نرجسية الذات.
هناك حيث زقزقة أقدام اطفال المدارس تضاهي زقزقة الطيور فوق اغصان الشجر يتعلمون بالأمل وإن كانت مدارسهم من طين وقصب وهم على بعد نظرة من مسؤول أو التفاتة من مهتم!
هناك يقبع جرح الأم التي ما زالت ترى أبنائها يذهبون على أقدامهم ليعودوا على أقدام غيرهم، فتتجلبب بالصبر وتخنق صرختها وتدفن دمعتها ليس لأنها بلا قلب بل لأنها عراقية.
هناك وجوه الآباء تواكب الفجر صباحا وتسامر المغرب ليلا، يقدمون أبنائهم إمتثالاً للدين والوطن ولما تأتيهم الناعية تراهم يقفون وسط الرزايا كالألف وسط الحروف رافعي رؤوسهم بارزي صدورهم قائلين ثم ماذا…
هناك ملامح باهتة للحياة الفارهة وصورة ملونة للحياة المتعبة أردت التقاطها لاخذ العظة والعبرة فلم تطاوعني يدي وأنا أجد بسمة يتيم تتخلل الى عيني وصوته الدافئ يخاطبني ياعم تفضل معنا للغداء وأنا أعلم أنه مازال لم يكمل أحلام طفولته فأرسله القدر في رحلة ليحل محل أبيه في مجلسه، لم تطاوعني يدي وأنا أرى شيخا يتساقط من بياض شعره صبر وشكر يكفكف دموع عينه اليمنى ببقايا عينه اليسرى التي ذهبت بها عجلة مفخخة لم تطاوعني يدي وأنا أرى الشرف يتستر بيمناه ويعمل بيسراه.
فعدت قائلا ما أروع هذا الدرس وما أغلاه وما أعلاه
فقصدت بوجهي أميري أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وقلت له:
عظماء شيعتك يا حيدر
أباة شيعتك يا حيدر
شرفاء شيعتك يا حيدر
اما من تغطرس وتجبر وتقرفص في البيت الاخضر فله قال المحشر إنا أبعدناك الكوثر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
#كاظم_الخرسان